فراسة الوجوه والأجسام


القسم الأخير من علوم الفِراسة المكتسبة: الاستدلال بالأحوال الجسمانية للبشر على أخلاقهم الباطنة. وهو على نوعين. 

النوع الأول: خاطر وإحساس داخلي يفجأ قلب الشخص، بأن الذي أمامه هو شخص له طبع معين أو صفة معينة، فالناس يختلفون فمنهم مشرق الوجه وهذا يدل على سماحة أخلاقه، ومنهم مظلم الوجه وهذا يدل على خبث طبعه وخلقه. فربما ترى شخصا تحكم عليه من أول نظرة أنه شخص طيب أو غير ذلك. أو تحكم عليه بأنه من العرق أو الجنس الفلاني. 

النوع الثاني: الاستدلال بحجم الأعضاء وشكلها ومدى تجانسها مع باقي أعضاء الجسم على أخلاق الشخص وطبعه، فمتى ما كانت الأعضاء متناسقة كان أدعى أن يكون الشخص متزنا ومعتدلا في أخلاقه، ومتى ما اختل التناسق كان أدعى لاختلال شيء من أخلاقه. وهذا العلم يكتسب بالممارسة والمخالطة، وبمعرفة الألوان والأسنان والأجناس والأشكال وسحنات الوجوه. 

وكان الشافعي من أبرع الناس فراسة، ويروي عن نفسه قصة فيقول: 

خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِرَاسَة، حتى كتبتها وجمعتها، ثمَّ لما حان انصرافي، مررت على رجل في طريقي وهو مُحْتَبٍ - جالس- بفناء داره، أزرق العينين، ناتئ -بارز-الجبهة، سِنَاط-لا لحية له-، فقلت له: هل من منزل؟ فقال: نعم. قال الشَّافعي: وهذا النَّعت أخبث ما يكون في الفِرَاسَة. فأنزلني، فرأيت أَكْرَم رجل، بَعَث إليَّ بعشاء وطِيب، وعلفٍ لدابَّتي، وفِرَاش ولِحَاف، فجعلت أتقلَّب اللَّيل، أجمع ما أصنع بهذه الكتب؟ إذ رأيت هذا النَّعت في هذا الرَّجل، فرأيت أكرم رجل، فقلت: أرمي بهذه الكتب. فلمَّا أصبحت، قلت للغلام: أَسْرِج-جهز خيلي-. 

فركبت ومررت عليه، وقلت له: إذا قدمت مكة، ومررت بذي طوى، فسل عن منزل محمَّد بن إدريس الشَّافعي. فقال لي الرَّجل: أمولى-أعبد- لأبيك أنا؟! قلت: لا. قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟! فقلت: لا. فقال: أين ما تكلَّفت لك البارحة؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعامًا بدرهمين، وإدامًا بكذا، وعِطْرًا بثلاثة دراهم، وعَلَفًا لدابَّتك بدرهمين، وكِرَاء الفِراش، واللِّحاف درهمان. قال: قلت: يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: كِرَاء المنزل؛ فإنِّي وسَّعت عليك، وضيَّقت على نفسي. قال الشَّافعي: فغَبِطت نفسي بتلك الكتب، فقلت له بعد ذلك: هل بقي من شيء؟ قال: امض، أخزاك الله، فما رأيت قطُّ شرًّا منك). 

ختاما: يندرج تحت النوع الثاني علوم أخرى لم نذكرها، فبعضهم يدرج معرفة أنماط الشخصيات في هذا العلم، والرازي يرى أن الفراسة هي أن تكتشف ما يخفي الشخص دون أن يظهر لك شيئا مما يبطنه. 

تعليقات