الجاسوس ذو الوجوه الثلاثة



ربما لم يشهد عالم الجاسوسية عبقريّا باعتراف العالم أجمع كريتشارد سورج، للدرجة أنه قد أطلق عليه لقب «الأستاذ»، و«الرجل الغامض» و«العبقري). ويحتل سورج في تاريخ الجاسوسية مكانة فريدة من نوعها، فهو الجاسوس الوحيد عبر التاريخ، الذي كان لدوره الفعال الفضل في حسم نتائج عالمية الحرب العالمية الثانية، أو بمعنى أدق، كان سورج، على الرغم من نهايته أنجح جاسوس عرفه التاريخ.

وقد ظهر سورج لأول مرة في ألمانيا، إبان صعود نجم الزعيم النازي أدولف هتلر قبل الحرب العالمية الثانية، ولم يكن سورج من رجال الحزب النازي، أو حتى مؤيديه، لكن رغم ذلك كان يحمل بطاقة صحفية لأكبر الصحف المتحدثة بلسان هذا الحزب. 


وكانت مقالاته وتحليلاته النقدية بارعة، لدرجة دفعت جوبلز» وزير دعاية هتلر لإبداء إعجابه الشديد بسورج، مما أكسبه شهرة ونفودّا لا بأس بهما وفي الحال أصدر هتلر أوامره بتعيين سورج ملحقا صحفيًا في السفارة الألمانية باليابان، التي كانت أحد أكبر حلفاء ألمانيا النازية، على أن يعمل في الوقت ذاته مراسلا صحفيًا لجريدته من هناك.
وفي منتصف عام 1935 وتسلم سورج عمله في اليابان وهنا تبدأ رحلته الجاسوسية .


على عكس المألوف لم يقم سورج في إحدى حجرات السفارة، بل قام باستئجار فيلا صغيرة على أطراف مدينة طوكيو. وحتى لا يثير الشكوك حوله قدم سورج تفسيرًا عمليًا لهذا الأمر إذ بدا لهم شخصا اجتماعيًا يهوى إقامة الحفلات والسهرات الأنيقة وراح يدعو كبار رجال الدولة في اليابان حتى صار من أبرز شخصيات المجتمع، ليحظى بمنصب المترجم الرسمي لوزير الحرب الياباني شخصيًا.وفي نفس الوقت ظل سورج يرسل مقالاته وتحليلاته المدهشة إلى الجريدة في ألمانيا ليتحول إلى نجم في سماء الدولة الألمانية واليابانية على السواء. 

كان سورج عميلا سوفييتيّا من البداية، وكان كل ما يفعله ليس سوى ستار يخفي وراءه انتماءه الحقيقي فمنذ عام 1936 قام سورج بتكوين شبكة جاسوسية اعتبرها الخبراء ثاني أكبر شبكة جاسوسية في التاريخ بعد الشبكة التي قام بتكوينها المصري «رفعت الجمال» أو كما يسمى «رأفت الهجان» الدي كتبنا عنه في مقال بعنوان (أذكى جاسوس عربي )وفي خضم أحداث الحرب العالمية الثانية، اجتاح هتلر أوربا بجيوشه الدولة تلو الأخرى .



وحينما اقترب هتلر من حدود روسيا، و أعلنت اليابان أنها سترسل قواتها لمساندة هتلر على روسيا فأرسل سورج إلى روسيا أن اليابان لن ترسل جيوشها وأن هذه المسألة لتشتيت القوات الروسية على جبهتين وعلى الفور قامت روسيا بحشد قواتها كلها أمام هتلر وتمكنت من صد جيوش هتلر وهزيمتها بعد أن كادت جيوش هتلر أن تُسقط موسكو .


وبالصدفة اعترض اليابانيين رسالة مشفرة بين سورج وروسيا وتم القبض عليه وإعدامه عام ١٩٤٤م في طوكيو .


من كتاب أشهر جواسيس التاريخ

تعليقات