العزلة الاجتماعية النافعة


يقول ابن الجوزي:"ما أعرف نفعاً كالعزلة عن الخلق خصوصاً للعالم والزاهد فإنك لا تكاد ترى إلا شامتاً بنكبة أو حسوداً على نعمة، أو من يأخذ عليك غلطاتك. فيا للعزلة ما ألذها، سلمت من كدر غيبة، وآفات تصنع، وأحوال المداجاة، وتضييع الوقت. ثم خلا فيها القلب بالفكر، بعدما كان مشغولاً عنه بالمخالطة، فدبر أمر دنياه وآخرته، فمثله كمثل الحمية يخلو فيها المعي بالأخلاط فيذيبها.

وما رأيتها مثل ما يصنع المخالط، لأنه يرى حالته الحاضرة من لقاء الناس وكلامهم فيشتغل بها عما بين يديه. فمثله كمثل رجل يريد سفراً قد أزف، فجالس أقوماً فشغلوه بالحديث حتى ضرب البوق وما تزود.

فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل والسلامة من شر المخالطة كفى. ثم لا عزلة على الحقيقة إلا للعالم والزاهد، فإنهما يعلمان مقصود العزلة وإن كانا لا في عزلة.

أما العالم فعلمه مؤنسه، وكتبه محدثه، والنظر في سير السلف مقومه، والتفكر في حوادث الزمان السابق فرجته.فإن ترقى بعلمه إلى مقام المعرفة الكاملة للخالق سبحانه، وتشبث بأذيال محبته تضاعفت لذاته، واشتغل به عن الأكوان وما فيها.فخلا بحبيبه وعمل معه بمقتضى علمه. 

وكذلك الزاهد تعبده أنيسه، ومعبوده جليسه، فإن كشف لبصره عن المعمول معه غاب عن الخلق، وغابوا عنه. إنما اعتزلا ما يؤذي. فهما في الوحدة بين جماعة. فهذان رجلان قد سلما من شر الخلق، وسلم الخلق من شرورهما، بل هما قدوة للمتعبدين وعلم للسالكين. ينتفع بكلامهما السامع. وتجري موعظتهما المدامع وتنتشر هيبتهما في المجامع. فمن أراد أن يتشبه بأحدهما فليصابر الخلوة وإن كرهها ليثمر له الصبر العسل...". 

سؤال لإثراء النقاش/ هل ترى أن العزلة الاجتماعية اليوم أفضل من مخالطة الناس كما يرى ابن الجوزي، وما هي مبررات رأيك؟ 

المصادر/ كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي 
لشراء كتاب صيد الخاطر وسيصل لباب منزلك ( هنا )

تعليقات